14 - 05 - 2025

وجهة نظري| وطن فوق صفيح ساخن

وجهة نظري| وطن فوق صفيح ساخن

صفعة على وجه الأب لم يتحملها الإبن، ثار لكرامته مشفقا على إهانة إبيه أمام عينه، جرى الدم فى عروقه بنخوة صعيدى شاب لم يتمالك نفسه ولم يكبح جماح غضبه، لم تردعه سطوة القوة وغشمها.. لرد الصفعة بمثلها على من تجرأ على أبيه .. لم يكن جزاؤه صفعة أخرى لتتوالى الصفعات فى مبارزة غير متكافئة، لكن الأمر كلفه حياته بعدما أخرج ضابط الشرطة طبنجته وصوبها على رأس الصعيدى الثائر لكرامته فأرداه قتيلا.

أشعل مقتل عويس أبو الراوى إبن منطقة العوامية بمدينة الأقصر غضب الأهالى، مثلما أشعل الحسرة فى قلب أبيه المكلوم. كانت كلماته المرثية لابنه تفطر القلوب، تخرج بطيئة تملؤها الحسرة. تحجرت الدموع فى عينه بينما انطلق صوته متلعثما مذهولا مختنقا من هول المصيبة.

راح الابن فى غمضة عين، لم يكن هو المطلوب من قبل الشرطة عندما داهمت بيت العجوز البائس، لكنها ذهبت لإلقاء القبض على شقيق عويس الذى شارك فى الاحتجاجات الاخيرة التى خرجت للاعتراض على قانون التصالح فى مخالفات البناء. لم تجده ويبدو أن ذلك استثار غضب الضابط المكلف بعملية القبض فاندفع معنفا الاب موجهة صفعته على وجهه، فما كان من الإبن إلا أن يرد الصفعة بأخرى يدفع حياته ثمنا لها، ليخرج أهالى العوامية غاضبين، وتحدث الاشتباكات مع قوات الأمن تستخدم فيها القنابل المسيلة للدموع وتفجر حالة من الكر والفر.

أحداث لا تجعل فقط العوامية فوق صفيح ساخن، لكن الوطن كله يعانى من وطأتها.

أسباب كثيرة تدفع العقلاء للتوقف حول ما حدث فى الأقصر، ليس بغرض الاصطياد فى الماء العكر ولا لإلقاء مزيد من الوقود فوق النار المشتعلة، ولكن للتريث والتدبر ومحاولة البحث عن حلول تمنع مزيدا من الحرائق.

صوت العقل يدفعنا للمكاشفة والمصارحة وتسمية كل الأمور بأسمائها حتى لايختلط الحابل بالنابل وتتوه الحقيقة ويضيع الوطن لاقدر الله.

أول ما يلفت النظر هو التعتيم على تلك الواقعة المؤسفة فلم نسمع تعليقا رسميا عليها ولم تتناولها أية وسيلة إعلام محلية بالتفصيل، وظلت الرواية الوحيدة تلك التى تتناقلها مواقع غير مصرية.

للأسف، ما زالت الحكومة تصر على ممارسة سياسة التعتيم فى زمن أصبح فيه العالم قرية واحدة من أقصاه إلى أقصاه. ومازالت ترى فى التعتيم الوسيلة الأفضل لتمرير الأحداث الجسام رغم أن كل مايحدث من حولنا يؤكد أن الشفافية والمواجهة والاعتراف بالخطأ هي الضمان الوحيد لاجتياز كل الأزمات مهما بلغت شدتها وخطورتها .

للأسف، ما زلت سياسة التعتيم والاخفاء والتجاهل هى السائدة، مثلما ظلت سياسة الاستقواء والاستعلاء والاستهانة هى السائدة فى نفوس بعض ضباط الشرطة. استقواء على الضعفاء واستعلاء عليهم وإهانتهم وانتهاك آدميتهم. تلك المشاعر التى دفعت ضابط الشرطة لصفع الأب على وجهه، ودفعت آخر لسب أم أمام فلذة كبدها وثالث لإهانة كل من أوقعه حظه التعس فى طريقه.

مساءلة ومحاسبة هؤلاء المتجاوزين فى حق البسطاء المسيئين لمناصبهم، قبل أن يكونوا مسيئين للبسطاء، أمر ضرورى حتى لا يتمادى غيرهم فى إساءة استخدام سلطتهم، إذا كنا حقا ننشد السلامة ونسعى لأمان هذا الوطن.

تحمل الشعب الكثير بإعتراف الجميع، فرفقا به وقليل من التعقل والحكمة تكفى لاجتياز المحنة، ولن يقود العناد ونكأ الجروح بقسوة إلا إلى مزيد من الغضب. حمى الله الوطن من شره وخطره.
-------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه